مع تزايد انتشار تداول العملات والمشتقات المالية في العالم العربي، يبرز تساؤل هام حول الحكم الشرعي لهذه الممارسات حيث يعد حساب التداول الممول أحد المواضيع التي تستدعي التدقيق الفقهي، حيث يُطرح السؤال: هل هو حلال أم حرام؟. في هذا المقال، سنناقش بعمق وتفصيل حكم حسابات التداول الممولة من الناحية الشرعية، بناءً على آراء المتخصصين والفقهاء، مسلطين الضوء على جوانبها المختلفة والتحديات التي قد تثيرها هذه الآلية في ضوء القيم والمبادئ الإسلامية.
تُعد حسابات التداول الممولة واحدة من الأدوات المتقدمة في عالم الأسواق المالية، حيث تُقدم للمتداولين فرصة للمشاركة في التداول رغم عدم امتلاكهم رأس مال كاف لتحقيق أرباح ملموسة ونشرح في الفقرات التالية مفهوم ذلك وآلية عمل الحسابات الممولة:
حسابات التداول الممولة، كما وضحنا سابقًا، هي حسابات تقدمها شركات أو منصات تداول متخصصة، حيث تسمح للمتداولين بالتداول بأموال هذه الشركات بدلاً من استخدام أموالهم الشخصية و يتم تمويل حساب التداول من قبل الشركة التي تقدم الحساب، لكن يتعين على المتداول إثبات جدارته وكفاءته في التداول من خلال اجتياز بعض الاختبارات أو الشروط، والتي سنتناولها لاحقا.
تُقدم هذه الحسابات للأفراد الذين يتمتعون بخبرة وفهم عميقين لآليات السوق، لكنهم يفتقرون إلى التمويل الكافي للاستثمار بشكل فعال. تعمل هذه الحسابات من خلال اجتياز بعض الاختبارات والتقييمات، والالتزام بالشروط والقواعد التي تضعها الشركة، مثل عدم تجاوز المتداول خسارة 5%. بالإضافة إلى ذلك، يتم تقسيم الأرباح بين الشركة والمتداول. سنوضح هذه التفاصيل بشكل كامل في الفقرة التالية.
تتمثل فكرة الحسابات الممولة في توفير رأس المال اللازم للمتداولين المؤهلين، وذلك عبر دفع مبلغ مالي شهري يُعدُّ مقابل للفرصة الممنوحة. إلا أن الحصول على هذه الحسابات ليس بالأمر السهل، فالمتداولون يخضعون لشروط صارمة تعرف بـ "شروط التمويل" أو "امتحان التمويل". تلك الشروط تتطلب من المتداولين اجتياز اختبارات معينة تقيّم مهاراتهم وقدراتهم في التحليل واتخاذ القرارات الاستثمارية. و تتمثل هذه الشروط في:
عندما نتحدث عن الأحكام الشرعية، يجب أن نؤكد دائمًا أننا لسنا أهلاً لإصدار الفتوى، بل نلجأ في ذلك إلى أهل الاختصاص من المشايخ والعلماء المتخصصين في شؤون الشريعة الإسلامية. واستنادًا إلى هذا المبدأ، سنتناول حكم الحسابات الممولة المأخوذة من العلماء المتخصصين، الذين يستندون في تقييمهم إلى المبادئ الشرعية والقيم الإسلامية.
أثناء عملية البحث والتحقق التي قام بها فريق موقع تداول، وجدنا فتوى صادرة من أحد المواقع المتخصصة في الأحكام الشرعية، وهو موقع "الإسلام سؤال وجواب". كان أحد الأشخاص يسأل عن حكم حساب الفوركس الممول مع إحدى الشركات، وهي شركة "إف تي إم أو FT MO".
وفي الفتوى، تم التحدث عن أن الحصول على حساب تمويل الفوركس يُعتبر نوعًا من القمار والميسر. ويرجع السبب في ذلك إلى أنه يتم دفع مبلغ صغير، قد لا يتجاوز مئات الدولارات، مقابل الحصول على حساب تداول كبير يتجاوز آلاف الدولارات، ولكن ربما يتم الحصول عليه وربما لا يتم الحصول عليه.
وتحديدًا، هذه الفتوى قد حسمت أمر في التعامل ببرنامج الحساب الممول بشكل قاطع، حيث أشارت إلى ((أنه من عمليات القمار ولا يجوز الحصول عليه حتى)). هذا التأكيد يبرز وجهة نظر محددة حول الالتزام بالأحكام الشرعية .
ويمكننا أن نعود إلى فتوى أخرى من موقع إسلام ويب، وهو أحد المواقع القوية المتخصصة في الفتاوى الإسلامية. في هذه الفتوى، تحدث المتخصصون في الموقع عن حكم حساب التداول الممولة، وأكدوا أن هذه المعاملة لا تجوز شرعًا. وذلك لأن ((في هذا النوع من التعاملات يوجد الكثير من المحاذير الشرعية، منها الغرر والضرر والدخول في المبادئ القرضية التي تعتبرها الشريعة الإسلامية رباً وغير مشروعة)).
هذه الفتوى تعكس الرأي الشرعي الذي يرفض هذا النوع من التعاملات المالية، وتحث على الابتعاد عنها تمامًا لتجنب الوقوع في مخاطر تتعارض مع تعاليم الإسلام.
هناك فريق من العلماء قد أجاز تداول العملات الاجنبية من خلال المنصات وفريق آخر يحرمه. فالفريق الذي حرمه أشار إلى بعض المحاذير، منها:
الإشكاليات الشرعية المتعلقة بالميسر والقمار في التعامل مع الحسابات الممولة تتعلق بمفهوم المخاطرة الكبيرة والاحتمال المؤكد لخسارة المال دون مقابل عادل أو منفعة متحققة و من أبرز هذه الإشكاليات:
الرافعة المالية وفوائد التبييت تثيران جدلًا شرعيًا حول مشروعية التداول. حيث يرى بعض العلماء أن الرافعة المالية تمثل قرضا يجر نفعًا فهو ربا، مما يجعلها حرام. كما أن رسوم التبييت التي تفرضها شركات الوساطة على الصفقات التي تظل مفتوحة لليوم التالي تعد زيادة في الدين، وهو ما يعزز شبهة الربا ويثير القلق الشرعي.
من ناحية أخرى، يرى بعض العلماء أن حسابات التداول الإسلامية تتجنب هذه المشكلات، حيث لا تتضمن قروضًا أو فوائد تبييت، وبالتالي فإن الرافعة المالية تُعتبر عقدًا تمويليًا وليس قرضًا. هؤلاء العلماء يشددون على أهمية أن يكون المتداول المسلم مدركا لمخاطر السوق ويتعامل بحذر ومعرفة لتنافي عنصر الغرر والضرر.
يجمع العلماء على ضرورة التقييم الدقيق لشروط ومعاملات التداول، حيث يبقى الخلاف قائمًا حول الحكم الشرعي، ويعتمد القرار على الظروف والشروط المحيطة بكل معاملة.
ويجب التنوية عزيزي القارئ، إلى أننا قد ناقشنا بالتفصيل حكم التداول وعرضنا فيه العديد من الأدلة التي قدمها العلماء. يمكنك الرجوع إليه في مقال "هل التداول حلال أم حرام" الذي نشرناه سابقًا، حيث استعرضنا وجهات النظر المختلفة والحجج المقدمة من كلا الجانبين في الجدل حول حكم التداول. يمكنك الاطلاع عليه للحصول على رؤى شاملة حول هذا الموضوع المثير للجدل.
نعرض في ما يلي الفرق بين الحسابات الممولة وتداول الخيارات الثنائية بالاضافة إلى الحكم الشرعي لتداول الخيارات الثنائية وذلك لتكوين نظرة ملمة أكثر حول هذا الموضوع وإيصالها بشكل اكبر الى ذهن القارئ الكريم:
في الجدول التالي نعرض لك عزيزي القارئ بشكل مختصر وبسيط الفرق بين الحسابات الممولة وتداول الخيارات الثنائية من حيث الفروقات المالية والحكم الشرعي وكيفية العمل والمخاطر المحتملة:
الفرق | الحسابات الممولة | تداول الخيارات الثنائية |
الكيفية و آلية العمل. | استخدام أموال الوسيط لزيادة حجم التداول. | مراهنة على اتجاه السعر خلال فترة زمنية قصيرة. |
الربح والخسارة. | تعتمد على السوق وحجم الرافعة. | ربح ثابت أو خسارة كاملة لرأس المال. |
الملكية. | المتداول يمتلك الأصول المالية. | لا يتم امتلاك الأصول، فقط مراهنة على حركة السوق. |
المخاطرة. | مخاطر عالية مع الرافعة المالية. | مخاطرة تعتمد على الحظ. |
فوائد التبييت. | قد تحتوي على فوائد ربوية. | لا توجد، لكن المخاطرة عالية. |
الحكم الشرعي. | جائزة إذا كانت في حسابات إسلامية. | محرمة لوجود الميسر والغرر |
من الناحية الشرعية وحسب ما تم الاتفاق علية من أغلب العلماء المعاصرين،. أن الحسابات الممولة يجب لأن تكون جائزة، أن تكون خالية من الفوائد الربوية والغرر الذي يؤدي الى شبهة المقامرة والميسر. أما بالنسبة للتعامل مع حسابات تداول الخيارات الثنائية فهو محرم بشكل قاطع بسبب شبهة الميسر والغرر العالي، ونعرض في ما يلي ذلك بشكل أشمل وأعم مع الادلة الشرعية.
عند النظر إلى حكم الشريعة الإسلامية في حسابات التداول الممولة، يجب أن نفصل بينها وبين تداول الخيارات الثنائية. فعلى الرغم من أن هناك العديد من الشركات التي تقدم حسابات ممولة بنظام الخيارات الثنائية، إلا أن هذا النوع من التداول يُعتبر مختلفا تماما عن تداول الفوركس والسلع.
وهنا نأخذ رأي الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي، استاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء في المملكة العربية السعودية. وقد أكد عبر الفديو السابق أن تداول الخيارات الثنائية هو من العقود المحرمة، حيث يشبه المقامرة؛ حيث يتم المراهنة على سعر الأداة المالية في اتجاهه سواء صعودًا أو هبوطًا.
لذا، يُعتبر تداول الخيارات الثنائية من الممارسات التي يجب تجنبها بشكل قاطع وتحذيري، نظرًا للمخاطر الكبيرة والتشابه الواضح مع أنواع القمار.
إقرا ايضا: كيفية التداول بالعملات الرقمية؟
الحسابات الممولة ليست حرام في المطلق، حيث حكمها يعتمد على التفاصيل. فإذا كانت تشمل فوائد ربوية أو مخاطرة غير محسوبة مثل الغرر البالغ والميسر والقمار، فإنها تكون غير جائزة شرعًا ومحرمة. أما إذا كانت خالية من الربا والغرر وتلتزم بالشروط الشرعية، فقد تكون جائزة.
الربا هو زيادة غير مشروعة تُضاف إلى الدين مقابل التأخير في السداد مثل فوائد التبييت في الحسابات الغير إسلامية، وهو محرم في الإسلام لأنه يستغل حاجة المقترض. أما التمويل، فيتعلق بتقديم الأموال لتمويل وزيادة رأس مال المتداول أو القوة الشرائية له مع شروط واضحة لمشاركة الأرباح أو دفع أجر معقول ويتمثل في الرافعة المالية بمثابة قرض تمويلي.